براعم اليمن | بقلم ، فريال كمال



ويمُرُّ عليكَ زمانٌ مُنهِكٌ تَظُنُّ نَفسَكَ خُلِقَتْ للشَّجَى؛ فتَلمحُ وعرَاتِ أيَّامِكَ لتَشعُرَ أنَّها أدمَنَت دُموعَ مُقلتَيكَ وسيمفونِيَّةَ أَنينِ بُكائِك، تُحِسُّ لوهلةٍ أنّها أَرْدَت ثَغرَكَ الباسِمَ قَتيلًا في غارَةِ الأيام، وجعَلَتْ مِن مُحيَّاكَ باهتًا عابِسًا مُضّطرِبًا، تَصدِمُكَ بِشاطئِ الذِّكرياتِ القاسِي، تُريكَ فِي انعكاسِكَ بَراكينَ مُتأَجِّجَه، تُقيِّدُكَ بسلاسِلِ اللّظى، تُشَيِّدُ سُدودًا إزاءَ بصيرَتِك، تُهَشِّمُ كاهِلك، تُضيرُ فُؤادَك، تُذيقكَ العَلقم المَرير، تُبيدُ عَبَقَ روحِك.

لكنَّكَ بَعدها سَتُبصِرُ فَجرًا يَرمُقُ مِن عُمقِ دُجاكَ يَصدَحُ استِبشارًا، قَلبُكَ يُخَضَّبُ بقوسِ المَطرِ ويُجَلَّى ضِدَّ الإحباط، تَنبُتُ مِن بَينِ عُروقِهِ بَراعِمُ الغِبطَة؛ لِتُزهِرَ رَبيعًا مُشرِقًا فَوَّاحًا بِشَذىً بَهِيٍّ أخّاذ، ويتسلَّلُ الضّياءُ المُتألِّقُ بِرَهَفٍ شُقوقَ نابِضِكَ بِسِحرٍ لِيُضيءَ أزِقَّتَهُ ويَنفُثَ عَنها هباءَ الأَسَى. يَنبَثقُ شُعورٌ باهِرٌ تَعتَليهِ مَلامِحُ الرِّقةِ والمَسَرَّة، يُزيلُ سِتارةَ السَّوادِ المَتينِ عَن عَينَيك، يَقتَلعُ شَجرةَ الوَجَلِ مِن أعماقِك، يَبعَثُ فيكَ سَنًا لا يَنقَطع، يُحيي في صحرائِكَ واحاتٍ خَضراء، يَعتَنِقُ بُؤَرَ الاستياء؛ لِيُحوِّلها لِمَنابِع الآمَال، يَحتَوي شَتاتَ كَيانِكَ المُتناثِرَ ويَسكُبَ عَليهِ غَيثَ البِشْر. يَشِعُّ النُّورُ فِي أرجاءِ دَيجورِ عالَمِك، يُبدِلُ ذرّاتِكَ الظَّلماءِ بنُجومٍ برَّاقةٍ تتراقَصُ بانسِجامٍ مع أصواتِ ضحكاتِكَ المُلامِسةِ لِعنانِ السَّماء.

يُلحِمُ تَصدُّعاتِك بمزيجٍ مِن عَنبرِ الجَذَلِ وشَهدِ الابِتهاج، يَروِي ظَمأَ زَهرَاتِ جَنانِك، يَتخَللُ بينَ أضلُعِكَ بِرقَّةٍ ويَحمِلَ بينَ طيَّاتِهِ مَفاتيحَ صَناديقِ فراشاتِكَ المُلوّنةِ بِعبيرِ الابتِهاش.


إرسال تعليق

0 تعليقات