روحٌ سائرة/ بقلم الكاتبة: فرح أسامة بن خليفة

 " روحٌ سائرة "

أغلقتُ بابَ البرّاد بقوةٍ كبيرة، وسيطرَ الغضبُ علي، صعدتُ درَجَ العليّة وقلت بأعلى صوت: "وجودكم وتقبّلته، صراخكم وبكاء طفلكم ولم أكترث له، وتسرقون طعامي حبيبَ قلبي؟!! هنا يجبُ أن أضعَ حدًّا لتطفُّلكم اللا مرغوب به!" فجأة شعرتُ بيدٍ باردة أمسكَت بيدي اليُمنى، فالتفتُّ والرجفة تصحبُ كلّ خطوة، وجدتُ فتاةً تُمسكُ برغيفِ خبزٍ في يدها اليُمنى وقالَت بهدوء: "أعتذر، هذا ليسَ ذنبهم بل هو ذنبي أنا، أنا من سرقتُ طعامكِ يا سيدتي" لازال عقلي يستوعبُ كلامها، وتمنَّيتُ لو أنّ أجهزتي العصبية توقّفت؛ كَي لا تصل صورة المشهدِ لعقلي، قلتُ في نفسي: "خذي كلّ شيء أنتِ ومن مثلكِ، وإن كان الخلاف عن الطعام فصحتين وهناءً على قلبكِ وقلبهم، أفضّل الجوعَ على فيلم الرعب هذا" تركتُ يدَها وركضتُ بسرعةٍ لربّما تُسجلُ في موسوعة "غينيس" أقفلتُ الباب، وأخذتُ هاتفي واتصلتُ بمالكِ النُّزُل، قلتُ وحبالي الصوتية تُعلنُ وداعَها: "تبحثُ عن الفتاة وأظنّني وجدتُها وياليتني لم أفعل" قالَ والصدمة تتملّكُ صوته: "الفتاة! أينَ وجدتِها؟ أهيَ حيّةٌ أم ماذا؟"  تردّدتُ قليلاً وأجبته: "حية أم لا هذا سؤالٌ صعب؛ ففي هذا المنزل كدتُ أن أنضمّ لعائلة الأرواح تلك، ولكنّي شعرتُ بيدها الباردة حينَ أمسكت يدِي" ردّ قائلاً: "سآتي في الحال" أغلقتُ الهاتفَ ودُقَّ بابُ الغرفة مباشرة، ظننتُ بأنه العجوز، ولكن هذا مستحيل فقد أغلقَ خطَّ الهاتفِ لتوّه، فتحتُ البابَ ببطئٍ فوجدتُ الفتاة تقفُ على عتبتِه وهيَ تبكي، قالت: "أرجوكِ يا سيدتي، لا تُخبرِي أحدًا بأنّي لازلتُ على قيد الحياة، فإن كُشِفَ أمري سيأخذونني لدارِ الأيتام، لا أريدُ مغادرة منزلنا، لا أريدُ الإبتعادَ عن عائلتي، أرجوكِ" سألتُها والرجفة تهزُّ مخارجَ أحرُفي: " أ أنت حقيقة أقصد حيّة؟" ابتسمَت وقالت: "لا" وصعدت السلالم وهيَ تضحكُ بهستيريا، رنَّ جرسُ الباب ولكنّ قدمَايَ كانتا قد تجمّدتا من الخوف؛ فلم أستطِع فتح الباب، دخلَ مالكُ النُّزُل وقال: "كشفتِ أمرَ مقلبنا إذًا" قلت: "لحظة ماذا؟ أمركم؟ أستَخدَم صفة الجمع؟ أيقصد أنهُ منهم؟!" قال وفي الحقيقة بدا لي يُحنتِم: "أنا الوالد وهذهِ هيَ عائلتي، وأنتِ الروح الزائرة" روح زائرة؟ أكمل: "أتَيتِ من حادثِ سَيرٍ حدثَ في الأسبوع الماضي وفي الحقيقة ليس من عاداتِنا أن نُخيفَ زوّارَنا ولكن أُتيحَت لنا الفُرصة لنَمرح قليلاً" أخرجَ جريدة يترأسُها عِنوان مضمونه "حادث سَير  حدثَ بجانِبِ النُزُلِ العتيق أودىٰ بحياة فتاة في الخامس والعشرين من عُمرها، وصدمةٌ تهزُّ والدَيها" قلتُ ويدايَ ترتعشان: "والدَاي حيّان؟! كيفَ ذلك؟" قالَ المالك وهو يبتسم: "أنتِ روحٌ مثلنا" قلتُ له: "ماذا عن سرقة الطعام؟ وصراخكم؟ والعلية؟" جلسَ على الدرَج وأجاب: "أعتذر عن سرقة الطعام فيبدو أن الولدان جائعان، أمّا عن الصراخ فقد كنتُ على خلافٍ مع زوجتي بشأن السماح لكِ بالتجول في العلية، سنسمحُ لكِ بالبقاء هنا ولكن العلية ممنوعٌ علَيكِ دخولها"



انتهىٰ . . .



بقلم: فرح أسامة بن خليفة.

إرسال تعليق

0 تعليقات